فصل: الخبر عن ملوك القياصرة من الكتيم وهم اللطينيون ومبدأ أمورهم ومصاير أحوالهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن فتنة الكيتم مع أهل أفريقية وتخريب قرطاجنة ثم بناؤها على الكيتم وهم اللطينيون:

كان بناء قرطاجنة هذه قبل بناء رومة بإثنتين وسبعين سنة قال هروشيوش: على يدي ديدن بن أليثا من نسل عيصو بن إسحق وكان بها أمير يسمى ملكون وهو الذي بعث إلى الإسكندرية بطاعته عند استيلائه على طرسوس ثم صار ملك أفريقية إلى أملقا من ملوكهم فافتتح صقلية وهاجت الحرب بينه وبين الرومانيين وأهل الإسكندرية بسبب أهل سردانية وذلك لخمسين سنة من بناء رومة ثم وقعت السلم بينهم وهي السلم التي وفد فيها عتون من ملوك أفريقية على أنطريطش ملك مقدونية واسكندرية وهو ملك الروم الأعظم ثم ولى بقرطاجنة أملقا ابنه أنبيل فأجاز إلى بلاد الإفرنج وغلبهم على بلادهم وزحف إليه قواد رومة فوالى عليهم الهزائم وبعث أخاه أشدربال إلى الأندلس فملكها وخالفه قواد الرومانيين إلى أفريقية بعد أن ملكوا من حصون صقلية أربعين أو نحوها ثم أجازوا إلى أفريقية فملكوها وقتلوا غشول خليفة أنبيل فيها وافتتحوا مدينة جردا وخرج آخرون من قواد رومة إلى الأندلس فهزموا أشدربال واتبعوه إلى أن قتلوه وفر أخوه أنبيل عن بلادهم بعد ثلاث عشرة سنة من إجازته إليهم وبعد أن حاصر رومة وأثخن في نواحيها فلحق بأفريقية ولقيه قواد أهل رومة الذين أجازوا إلى أفريقية فهزموه وحاصروه بقرطاجنة حتى سأل الصلح على أن يغرم لهم ثلاثة آلاف قنطار من الفضة فأجابوا إليه.
وسكنت الحرب بينهم ثم ظاهر بعد ذلك أنبيل صاحب أفريقية ملوك السريانيين على حرب أهل رومة فهلك في حربهم مسموما وبعد أن تخلص أهل رومة من تلك الحروب رجعوا إلى الأندلس فملكوها ثم أجازوا البحر إلى قرطاجنة ففتحوها وقتلوا ملكها يومئذ أنبيل وخربوها لتسعمائة سنة من بنائها وسبعمائة لبناء رومة.
ثم دارت الحرب بين أهل رومة وملك النوبة واستظهر ملك النوبة بالبربر بعد أن هزمه أهل رومة واتبعوه إلى قفصة فملكوها واستولوا على ذخيرتها وهي من بناء أركلش الجبار ملك الروم وهزمهم أهل رومة فخافهم ملك البربر من ملوك النوبة إلى أن هلك في أسرهم وكانت هذه الحروب لعهد بطليموس الإسكندر بعد أن كان قواد رومة اجتمعوا على بناء قرطاجنة وتجديدها لاثنتين وعشرين سنة من خرابها فعمرت واتصل بها لأهل رومة ملك على ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن ملوك القياصرة من الكتيم وهم اللطينيون ومبدأ أمورهم ومصاير أحوالهم:

لم يزل أمر هؤلاء الكيتم وهم اللطينيون راجعا إلى الوزراء منذ سبعمائة سنة كما قلناه من عهد بناء رومة أو قبلها بقليل كما قال هروشيوش تقترع الوزراء في كل سنة فيخرج قائد منهم إلى كل ناحية كما توجبه القرعة فيحاربون أمم الطوائف ويفتحون الممالك وكانوا أولا يعطون إخوانهم من الروم اليونانيين طاعة معروفة بعد الفتن والمحاربة حتى إذا هلك الإسكندرية وافترق أمر اليونانيين والروم وفشلت ريحهم وقعت فتنة هؤلاء اللطينيين وهم الكيتم مع أهل أفريقية واستولوا عليها مرارا وخربوا قرطاجنة ثم بنوها كما ذكرناه وملكوا الأندلس وملكوا الشام وأرض الحجاز وقهروا العرب بالحجاز وافتتحوا بيت المقدس وأسروا ملكها يومئذ من اليهود وهو أرستبلوس ابن الإسكندر ثامن ملوك بني حشمناي وغربوه إلى رومة وولوا قائدهم على الشام ثم حاربوا ألغماس فكانت حربهم سجالا إلى أن خرج بولس بن غايش ومعه ابن عمه لوجيار بن مدكة إلى جهة الأندلس وحارب من كان بها من الإفرنج والجلالقة إلى أن ملك برطانية واشبونة ورجع إلى رومة واستخلف على الأندلس أكتبيان ابن أخيه يونان فلما وصل إلى رومة وشعر الوزراء أنه يروم الاستبداد عليهم فقتلوه.
فزحف اكتبيان ابن أخيه من الأندلس بثأره وملك رومة واستولى على أرض قسطنطينية وفارس وأفريقية والأندلس وعمه يولش هو الذي تسمى قيصر فصار سمة لملوكهم من بعده وأصل هذا الإسم جاشر فعربته العرب إلى قيصر ولفظ جاشر مشترك عندهم فيقال جاشر للشعر وزعموا أن يولش ولد شعره نام يبلغ عينيه ويقال أيضا للمشقوق جاشر وزعموا أن قيصر ماتت أمه وهي مقرب فبقر بطنها واستخرج يولس والأول أصح وأقرب إلى الصواب.
وكانت مدة يولس قيصر خمس سنين ولما ولى قيصر أكتبيان ابن أخته انفرد بملك الناحية الشمالية من الأرض ووفد عليه رسل الملوك بالمشرق يرغبون في ولايته ويضرعون إليه في السلم فاسعفهم ودانت له أقطار الأرض وضرب الأتاوة على أهل الآفاق من الصغر وكان العامل على اليهود بالشام من قبله هيردوس بن أنظفنر وعلى مصر ابنه غايش وولد المسيح لإثنتين وأربعين سنة خلت من ملكه وهلك قيصر أكتبيان لست وخمسين من ملكه بعد وخمسين سنة لبناء رومة وخمسة آلاف ومائتين لمبدأ الخليفة انتهى كلام هروشيوش.
وأما ابن العميد مؤرخ النصارى فذكر عن مبدأ هؤلاء القياصرة أن أمر رومة كان راجعا إلى الشيوخ الذين يدبرون أمرهم وكانوا ثلثمائة وعشرين رجلا لأنهم كانوا حلفوا أن لا يولون عليهم ملكا فكان تدبيرهم يرجع إلى هؤلاء وكانوا يقدمون واحدا منهم ويسمونه الشيخ وانتهى تدبيرهم في ذلك الزمان إلى أغانيوس فدبرهم أربع سنين وهو الذي سمي قيصر لأن أمة ماتت وهو جنين في بطنها فبقروا بطنها وأخرجوه ولما كبر انتهت إليه رياسة هؤلاء الشيوخ برومة أربع سنين ثم ولي من بعده يوليوس قيصر ثلاث سنين ثم ولي من بعده أوغسطس قيصر بن مرنوخس قال: ويقال إن أوغسطس قيصر كان أحد قواد الشيخ مدبر رومة وتوجه بالعساكر لفتح المغرب والأندلس ففتحهما وعاد إلى رومة فملك عليهم وطرد الشيخ من رياسته بها وتدبيره ووافقته الناس على ذلك وكان للشيخ نائقب بناحية المشرق يقال له فمقيوس فلما بلغه ذلك زحف بعساكره إلى رومة فخرج إليه أوغسطس فهزمه وقتله واستولى على ناحية المشرق وسير عساكره إلى فتح مصر مع قائدين من قواده هما أنطونيوس ومترادب ملك الأرمن بدمشق فتوجها إلى مصر وبها يومئذ كلابطره الملكة من بقية البطالسة ملوك يونان بالإسكندرية ومصر فحصنت بلادها وبنت بعدوتي النيل حائطين مبدؤهما من النوبة إلى الإسكندرية غربا وإلى الفرما شرقا وهو حائط العجوز لهذا العهد ثم داخلت القائد أنطونيوس وخادعته بالتزويج فتزوجها وقتل رفيقه مترداب وعصي على أوغسطس فزحف إليه وقتله وملك مصر وقتل كلابطره وولديها وكانا يسميان الشمس والقمر وملك مصر والإسكندرية وذلك لإثنتي عشرة سنة من ملكه.
قال ولإثنتين وأربعين سنة من ملك أوغسطس ولد المسيح بعد مولد يحيى بثلاثة أشهر وذلك لتمام خمسة آلاف وخمسمائة سنة من سني العالم ولإثنتين وثلاثين من ملك هيردوس بالقدس وقيل لخمس وثلاثين من مملكته والكل متفقون على أنها لإثنتين وأربعين من ملك أوغسطس قال: وسياقه التاريخ تقتضي أنها خمسة آلاف وخمسمائة شمسية من مبدأ العالم لأن من آدم إلى نوح ألفا وستمائة ومن نوح إلى الطوفان ستمائة ومن الطوفان إلى إبراهيم ألفا واثنتين وسبعين سنة ومن إبراهيم إلى موسى أربعمائة وخمسا وعشرين ومن موسى إلى داود عليهما السلام سبعمائة وستين من داود إلى الاسكندر سبعمائة وستين سنة ومن الاسكندر إلى مولد المسيح ثلثمائة وتسع عشرة سنة وهكذا ذكر ابن العميد وأنها تواريخ النصارى وفيها نظر ويظهر من كلامه أن قيصر الذي سماه أوغسطس وذكر أن المسيح ولد لإثنتين وأربعين من ملكه هو الذي سماه هيردوس قيصر أكتبيان وجعل مهلكه لخمسة آلاف ومائتين من مبدأ الخليفة وعند ابن العميد أن ملكه لخمسة آلاف وخمسمائة وخمس عشرة والله أعلم بالحق من ذلك.
ثم ولي من بعد طباريش قيصر وكان وادعا واستولى على النواحي وعلى عهده كان شأن المسيح وبغى اليهود عليه ورفعه الله من الأرض وأقام الحواريون من بعده واليهود يضطهدونهم ويحبسونهم على إظهار أمرهم وكان بلاطس النبطي الذي كان قائدا على اليهود يسعى إلى طباريش بأخبار المسيح وبغى اليهود عليه وعلى يوحنا المعمدان وتبعتهم الحواريون من بعده بالأذية وأراه انهم على حق فأمر بتخلية سبيلهم وهم بالأخذ بدينهم فمنعنه من ذلك قومه ثم قبض على هيردوس وأحضره إلى رومة ثم نفاه إلى الأندلس فمات بها ثم ولي مكانته أغرباس ابن أخيه وافترق الحواريون في الآفاق لإقامة الدين وحمل الأمم على عبادة الله ثم قتل طباريش قيصر أغرباس مملك اليهود إلى أشر من حالهم وقتلوا أتباع الحواريين من الروم.
ومات طباريش لثلاث وعشرين من ملكه بعد أن جدد مدينة طبرية فيما قال ابن العميد واشتق اسمها من اسمه وملك من بعده غاينس قيصر وقال هيروشيوش: هو أخو طباريش وسماه غاينس فليفة من أكتبيان وقال: هو رابع القياصرة وأشدهم وأراد اليهود على نصب وثنه ببيت المقدس فمنعوه وقال ابن العميد: ووقعت في أيامه شدة على النصارى وقتل يعقوب أخاه من الحواريين وحبس بطرس رئيسهم ثم هرب إلى انطاكية فأقام بها وقدم هراديوس بطركا عليها وهو أول البطاركة فيها ثم توجه إلى رومة لسنتين من ملك غانيس فدبرها خمسا وعشرين سنة ونصب فيها الأساقفة شدائد من اليهود وكان الأسقف عليهم يومئذ يعقوب بن يوسف الخطيب.
وقال ابن العيمد عن المسبحي: إن فيلقس ملك مصر غزا اليهود لأول سنة من ملك غانيس واستعبدهم سبع سنين قال وفي الرابعة من ملكه أمر عامله على اليهود بسورية وهي أورشاليم وهي بيت المقدس - أن ينصب الأصنام في محاريب اليهود ووثب عليه بعض قواده فقتله.
وملك من بعده قلوديش قيصر قال هروشيوش: هو ابن طباريش وعلى عهده كتب متى الحواري إنجيله في بيت المقدس بالعبرانية قال ابن العميد: ونقله يوحنا ابن زبدي إلى الرومية قال: وفي أيامه كتب بطرس رأس الحواريين إنجيله بالرومية ونسبه إلى مرقص تلميذه وكتب لوقا من الحواريين إنجيله بالرومية وبعث به إلى بعض الأكابر من الروم وكان لوقا طيبا ثم عظم الفساد بين اليهود ولحق ملكهم أغرباش برومة فبعث معه أقلوديش عساكر الروم فقتلوا من اليهود خلقا وحملوا إلى انطاكية ورومة منهم سبيا عظيما وخربت القدس وانجلى أهلها فلم يول عليهم القياصرة أحدا لخرابها وافترقت اليهود على فرق كثيرة أعظمها سبعة قال ولسبع من ملك أقلوديش دخلت بطريقة من الروم في دين النصارى على يد شمعون الصفا وسمعت منه بالصليب فجاءت إلى القدس لإظهاره ورجعت إلى رومة.
وهلك أقلوديش قيصر لأربع عشرة سنة من ملكه وملك من بعده ابنه نيرون قال هروشيوش: هو سادس القياصرة وكان غشوما فاسقا وبلغه أن كثيرا من أهل رومة أخذوا بدين المسيح فنكر ذلك وقتلهم حيث وجدوا وقتل بطرس رأس الحواريين وأقام أريوس بطركا برومة مكان بطرس متن بعد خمس وعشرين سنة مضت لبطرس في كرسيها وهو رأس الحواريين ورسول المسيح إلى رومة وقتل مرقص الإنجيلي بالإسكندرية لاثنتي عشرة من ملكه وكان هنالك منذ سبع سنين بها مساعدا إلى النصرانية بالاسكندرية ومصر وبرقة والمغرب وولي مكانه حنانيا ويسمى بالقبطية جنبار وهو أول البطارقة بها واتخذ معه الأقسة الاثني عشر.
قال ابن العميد عن المسبحي: وفي الثانية من ملك نيرون عزل بلخس القاضي كان على اليهود من جهة الروم وولى مكانه قسطس القاضي وقتل بوثار رئيس الكهنونية بالمقدس ومات القاضي قسطس فثار اليهود على من كان بالمقدس من النصارى وقتلوا أسقفهم هنالك وهو يعقوب بن يوسف النجار وهدموا البيعة وأخذوا الصليب والخشبتين ودفنوها إلى أن استخرجتها هلانة أم قسطنطين كما نذكر بعد وولي مكان يعقوب النجار ابن عمه شمعون بن كنابا ثم ثار بهم اليهود وأخرجوهم من المقدس لعشر من ملك نيرون فأجازوا الأردن وأقاموا هنالك وبعث نيرون قائده أسباشيانس وأمر بقتل اليهود وخراب القدس وتحصن اليهود منه وبنوا عليهم ثلاثة حصون وحاصرهم أسباشيانس وأمر بقتل اليهود وخراب القدس وتحصن اليهود منه وبنوا عليهم ثلاثة حصون وحاصرهم وخرب جميع حصونهم وأحرقها وأقام عليهم سنة كاملة وقال هروشيوش: إن نيرون قيصر انتقض عليه أهل مملكته فخرج عن طاعته أهل برطانية من أرض الجوف ورجع أهل أرمينية والشام إلى طاعة الفرس فبعث صهره على أخته وهو يشبشيان بن لوجيه فسار إليهم في العساكر وغلبهم على أمرهم ثم زحف إلى اليهود بالشام وكانوا قد انتقضوا فحاصرهم بالقدس وبينما هو في حصاره إذ بلغه موت نيرون لأربع عشرة سنة من ملكه ثار به جماعة من قواده فقتلوه وكان قد بعث قائدا إلى جهة الجوف والأندلس فافتتح برطانية ورجع إلى رومة بعد مهلك نيرون قيصر فملكه الروم عليهم وأنه قتل أخاه يشبشيان فأشار عليه أصحابه بالانصراف إلى رومة وبشره رئيس اليهود وكان أسيرا عنده بالملك ويظهر أنه يوسف بن كريون الذي مر ذكره فانطلق إلى رومة وخلف ابنه طيطش على حصار القدس فافتتحها وخرب مسجدها وعمرانها كما مر ذكره وقال: وقتل منهم نحوا من ستمائة ألف ألف مرتين وهلك في حصارها جوعا نحو هذا العدد وبيع من سراريهم في الآفاق نحو من تسعين ألفا وحمل منهم إلى رومة نحوا من مائة ألف استبقاهم لفتيان الروم يتعلمون المقاتلة فيهم ضربا بالسيوف وطعنا بالرماح وهي الجلوة الكبرى كانت لليهود بعد ألف ومائة وستين سنة من بناء بيت المقدس ولخمسة آلاف ومائتين وثلاثين من مبدأ الخليفة ولثمانمائة وعشرين من بناء رومة فكان معه إلى أن افتتحها وكان المستبد بها بعد مهلك نيرون قيصر وانقطع ملك آل يولس قيصر لمائة وست عشرة سنة من مبدأ دولتهم واستقام ملك يشبشيان في جميع ممالك الروم وتسمى قيصر كما كان من قبل كلام هروشيوش.
وقال ابن العميد: وإن أسباشيانس لما بلغه وهو محاصر للقدس أن نيرون هلك ذهب بالعساكر الذين معه وبشره يوسف بن كريون كهنون طبرية من اليهود بأن مصير ملك القياصرة إليه ثم بلغه أن الروم بعد مهلك نيرون ملكوا غليان بن قيصر فأقام عليهم تسعة أشهر وكان رديء السيرة وقتله بعض خدمه غيلة وقدموا عوضه أنون ثلاثة أشهر ثم خلعوه وملكوا أبطالس ثمانية أشهر فبعث أسباشيانس وهو الذي سماه هروشيوش يشبشيان قائدين إلى رومة فحابوا أبطانش وقتلوه وسار أسباشيانس إلى رومة وبعث إليه طيطش المحاصر للقدس بالأموال والغنائم والسبي قال وكانت عدة القتلى ألف ألف والسبي تسعمائة ألف واحتمل الخوارج الذين كانوا في نواحي القدس مع الأسرى وكان يلقي منهم كل يوم للسباع فرائس إلى أن فنوا قال: ولما ملك طيطش بيت المقدس رجع النصارى الذين كانوا عبروا إلى الأردن فبنوا كنيسة بالمقدس وسكنوا وكان الأسقف فيهم سمعان بن كلوبا ابن عم يوسف النجار وهو الثاني من أساقفة المقدس.
ثم هلك أسباشيانس وهو يشبشيان لتسع سنين من ملكه وملك بعده ابنه طيطش قيصر سنتين وقيل ثلاثا قال ابن العميد: لأربعمائة من ملك الاسكندر وقال هروشيوش: كان متفننا في العلوم ملتزما للخير عارفا باللسان الغريقي واللطيني وولي بعده أخوه دومريان خمس عشرة سنة قال هروشيوش: وهو ابن أخت نيرون قيصر قال: وكان غشوما كافرا وأمر بقتل النصارى فعل خاله نيرون وحبس يوحنا الحواري وأمر بقتل اليهود من نسل داود حذرا أن يملكوا وهلك في حروب الإفرنج وسماه ابن العميد دانسطيانوس وقال: ملك ست عشرة سنة وقيل تسعا وكان شديدا على اليهود وقتل أبناء ملوكهم وقيل له إن النصارى يزعمون أن المسيح يأتي ويملك فأمر بقتلهم وبعث عن أولاد يهوذا بن يوسف من الحواريين وحملهم إلى رومة مقيدين وسألهم عن شأن المسيح فقالوا إنما يأتي عند انقضاء العلم فخلى سبيلهم وفي الثالثة من دولته طرد بطرك اسكندرية لسبع وثمانين سنة للمسيح وقدم مكانه ملموا فأقام ثلاث عشرة سنة ومات فولى مكانه كرماهو.
قال ابن العميد عن المسبحي: ولعهده كان أمر ليونيوس صاحب الطلسمات برومة فنفى ذوسطيالوس جميع الفلاسفة والمتنجمين من رومة وأمر أن لا يغرس بها كرم هلك ذوسطيالوس وهو الذي سماه هروشيوش دومريان وقال: هلك في حروب الإفرنج وملك بعده برما ابن أخيه طيطش نحوا من سنتين وسماه ابن العميد تاوداس وقال: إن المسبحي سماه قارون قال: ويسمى أيضا برسطوس قال ملك على الروم سنة أو سنة ونصفا وأحن السيرة وأمر برد من كان منفيا من النصارى وخلاهم ودينهم ورجع يوحنا الإنجيلي إلى أفسس بعد ست سنين وقال هروشيوش: أطلقه من السجن وقال: ولم يكون له ولد فعهد بالملك إلى طريانس من عظماء قواده وكان من أهل مالقة فولي بعده وتسمى قيصر وقال ابن العميد: واسمه أنديانوس وسماه المسبحي طرينوس وملك على الروم باتفاق المؤرخين سبع عشرة سنة وقتل سمعان بن كلاويا أسقف بيت المقدس وأغناطيوس بطرك أنطاكية ولقي النصارى في أيامه شدة وتتبع أئمتهم بالقتل واستعبد عامتهم وهو ثالث القياصرة بعد نيرون في هذه الدولة ولعهده كتب يوحنا إنجيله برومة في بعض الجزائر السادسة من ملكه وكان قد رجع اليهود إلى بيت المقدس فكثروا بها وعزموا على الانتقاض فبعث عساكره وقتل منهم خلقا كثيرا وقال هروشيوش: إن الحرب طالت بينه وبين اليهود فخرجوا كثيرا من المدن إلى عسقلان ثم إلى مصر والإسكندرية فانهزم هنالك وقتلوا وزحفوا بعدها إلى الكوفة فأثخن فيهم بالقتل وخضد من شوكتهم.
قال ابن العميد: وفي تاسعة من ملكه مات كوثبانوبطرك الإسكندرية لإحدى عشرة سنة من ولايته وولي مكانه أمرغو اثنتي عشرة سنة أخرى وقال بطليموس صاحب كتاب المجسطي: إن شيلوش الحكيم رصد برومة في السنة الأولى من ملك طرنيوس وهو أندريانوس لأربعمائة وإحدى وعشرين للإسكندر ولثمانمائة وخمس وأربعين لبختنصر وقال ابن العميد: خرج عليه خارجي ببابل فهلك في حروبه لتسع عشرة سنة من ولايته كما قلناه فولي من بعد أندريانوس إحدى وعشرين سنة وقال ابن العميد عن ابن بطريق عشرين سنة وقال هروشيوش: إنه أثخن في اليهود ثم بنى مدينة المقدس وسماها إيلياء وقال ابن العميد: كان شديدا على النصارى وقتل منهم خلقا وأخذ الناس بعبادة الأوثان وفي ثامنة ملكه خرب بيت المقدس وقتل عامة أهلها وبنى على باب المدينة عمودا وعليه لوح نقش فيه مدينة إيلياء ثم زحف إلى الخارجي الذي خرج على طرنيوس قبله فهزمه إلى مصر وألزم أهل مصر حفر خليج من مجرى النيل إلى مجرى القلزم وأجرى فيه الحلو ثم أرتد بعد ذلك وجاء الفتح والدولة الإسلامية فألزمهم عمرو بن العاص حفره حتى جرى فيه الماء ثم انسد لهذا العهد.
وكان أندريانوس هذا قد بنى مدينة القدس ورجع إليها اليهود وبلغه أنهم يرومون الانتقاض وأنهم ملكوا عليهم زكريا من أبناء الملوك فبعث إليهم العساكر وتتبعهم بالقتل وخرب المدينة حتى عادت صحراء وأمر أن لا يسكنها يهودي وأسكن اليونان بيت المقدس وكان هذا الخراب لثلاث وخمسين سنة من خراب طيطش الذي هو الحلوة الكبرى وامتلأ القدس من اليونان وكانت النصارى يترددون إلى موضع القبر والصليب يصلون فيه وكانت اليهود يرمون عليه الزبل والكناسات فمنعهم اليونان من الصلاة فيه وبنوا هنالك هيكلا على اسم الزهرة.
وقال ابن العميد عن المسبحي: وفي الرابعة من ملك أندريانوس بطل الملك من الرها وتداولتها القضاة من قبل الروم وبنى أندريانوس بمدينة أثينوس بيتا ورتب فيه جماعة من الحكماء لمدارسة العلوم قال: وفي خامسة ملكة قدم نسطس بطركا على إسكندرية وكان حكيما فاضلا فلبث إحدى عشرة سنة ثم مات وقدم مكانه أمانيق في سادسة عشر من ملك أندريانوس فلبث إحدى عشرة سنة وهو سابع البطارقة ثم مات أندريانوس لإحدى وعشرين من ملكه كما مر وولي ابنه أنطونيش قال هروشيوش: ويسمى قيصر الرحيم وقال ابن العميد: ملك اثنتين وعشرين وقال الصعيديون إحدى وعشرين قال: وفي خامسة ملكه قدم مرتيانو بطركا بإسكندرية وهو الثامن منهم فلبث تسع سنين ومات وكان فاضل السيرة وقدم بعده كلوتيانو فلبث أربع عشرة سنة ومات في سابعة ملكه أوراليانوس بعده وكان محبوبا وقال بطليموس صاحب المجسطي: إنه رصد الإعتدال الخريفي في ثالثة ملك أنطونيوس فكان لأربعمائة وثلاث وستين بعد الإسكندر.
ثم هلك أنطونيوس لاثنتين وعشرين كما مر فملك من بعده أوراليانس وقال هروشيوش: وهو أخو أنطونيوس وسماه أورالش وأنطونيوس الأصغر وقال: كانت له حروب مع أهل فارس وبعد أن غلبوا على أرمينية وسورية من ممالكه فدفعهم عنهما وغلبهم في حروب طويلة وأصاب الأرض على عهده وباء عظيم وقحط الناس سنتين واستسقى لهم النصارى فأمطروا وارتفع الوباء والقحط بعد أن كان اشتد على النصارى وقتل منهم خلقا وهي الشدة الرابعة من بعد نيرون.
قال ابن العميد: وفي السابعة من ملكه قدم على الإسكندرية البطرك أغريبوس فلبث اثني عشر سنة ومات في تاسعة عشر من ملك أنطونيوس الأصغر قال وفي أيامه ظهرت مبتدعة من النصارى واختلفت أقوالهم وكان منهم ابن ديصان وغيره فجاهدهم أهل الحق من الأساقفة وأبطلوا بدعتهم.
وهلك أنطونيوس هذا لتسع عشرة من ملكه وفي عاشرة ملكه ظهر أردشير بن بابك أول ملوك الساسانية واستولى على ملك الفرس وكان صاحب الحضر متملكا على السواد فغلبه وملك السواد وقتله وقصته معروفة وكان لعهده جالينوس المشهور بالطب وكان ربي معه فلما بلغه أنه ملك على الروم قدم عليه من بلاد اليونان وأقام عنده وكان لعهده أيضا ديمقراطس الحكيم ولأول سنة من ملكه قدم بليانس بطركا على إسكندرية وهو الحادي عشر من بطاركتها فلبث عشر سنين ومات وولي مكانه ديمتريوس فلبث فيهم ثلاثا وثلاثين سنة ومات كمودة قيصر لثلاثة عشر كما قلناه فولي من بعده ورمتيلوس ثلاثة أشهر قال ابن العميد: وسماه ابن بطريق فرطنوش وقال: وملك ثلاثة أشهر وسماه غيره فرطيخوس وسماه الصعيديون برطانوس ومدة مالكه باتفاقهم شهران وقال هروشيوش: اسمه اللبيس بن طيجليس وهو عم كمودة قيصر قال وولي سنة واحدة وقتله بعض قواده وأقام في الملك ستة أشهر وقتل.
قال ابن العميد: وملك بعده يوليانس قيصر شهرين ومات ثم ولي سوريانوس قيصر وسماه بعضهم سورس وسماه هروشيوش طباريش بن أرنت بن أنطونيش واختلفوا في مدته فقال ابن العميد عن ابن بطريق: سبع عشرة سنة وقال المسبحي: ثمان عشرة وعن أبي فانيوس ستة عشرة وعن ابن الراهب ثلاث عشرة وعن الصعيديين سنتين قال وملك في رابعة من ملك أردشير واشتد على النصارى وفتك فيهم وسار إلى مصر والإسكندرية فقتلهم وهدم كنائسهم وشردهم كل مشرد وبنى بالإسكندرية هيكلا سماه هيكل الآله قال هروشيوش: وهي الشدة الخامسة من بعد شدة نيرون وقال: ثم انتقض عليه اللطينيون ولم يزل محصورا إلى أن هلك وملك من بعده أقطونيش قال ابن العميد عن ابن بطريق: ست سنين وعن المسبحي: سبع سنين وسماه أنطونيش قسطس قال: وكان ابتداء ملكه عندهم لخمس وعشرين وخمسمائة من ملك الإسكندر ولعهده سار أردشير ملك الفرس إلى نصيبين فحاصرها وبنى عليها حصنا ثم بلغه أن خارجا خرج عليه بخراسان فأجفل عنهم بعد المصالحة على أن لا يتعرضوا لحصنه فلما رحل بنوا من وراء الحصن وأدخلوه في مدينتهم ورجع أردشير فنازلهم وامتنعوا عليه فأشار بعض الحكماء بأن يجمع أهل العلم فيدعون الله دعوة رجل واحد ففعلوا فملك الحصن لوقته وقال هرشيوش: لما ولي أنطونيوش ضعف عن مقاومة الفرس فغلبوا على أكثر مدن الشام ونواحي أرمينية وهلك في حروبهم وولي بعده مفريق بن مركة وقتله قواد رومة لسنة من ملكه وكذا قال ابن العميد وسماه ابن بطريق بقرونشوش والمسبحي هرقليانوس قالوا جميعا: وملك من بعده أنطونيش قال ابن العميد عن ابن بطريق وابن الراهب: ثلاث سنين وعن المسبحي والصعيديين: أربع سنين قال: وفي أول سنة من ملكه بنيت مدينة عمان بأرض فلسطين وملك سابور بن أردشير مدنا كثيرة من الشام ومات أنطونيش فملك من بعده إسكندروس لثلاث وعشرين من ملك سابور بن أردشير فملك على الروم ثلاث عشرة سنة وكانت أمة محبة في النصارى وقال هروشيوش: ملك عشرين سنة وكانت أمة نصرانية وكانت النصارى معه في سعة من أمرهم قال ابن العميد: وفي سابعة ملكه قدم تاوكلا بطركا بالإسكندرية وهو الثالث عشر من البطاركة فلبث ست عشر سنة ومات قال هروشيوش: ولعشر من ملكه غزا فقتل سابور بن أردشير وانصرف ظافرا فثار عليه أهل رومة وقتلوه.
وملك من بعده مخشميان بن لوجية ثلاث سنين ولم يكن من بيت الملك وإنما ولوه لأجل حرب الإفرنج واشتد على النصارى الشدة السادسة من بعد نيرون وأما ابن العميد فسماه فقيموس ووافق على الثلاث سنين في مدته وعلى ما لقي النصارى منه وأنه قتل سرحبوس في سلمية وواجوس في بالس على الفرات وقتل بطرك إنطاكية فسمع أسقف بيت المقدس بقتله فهرب وترك الكرسي قال: وفي ثالثة ملكه ملك سابور بن أردشير خلاف ما زعم هروشيوش من أنه قتله ثم هلك فقيموس أرمشميان وولي من بعده يونيوس ثلاثة أشهر وقتل فيما قال ابن العميد وقال: سماه أبو فانيوس لوكس قيصر وابن بطريق بلينايوس ولم يذكره هروشيوش ثم ملك عرديانوس قيصر قال ابن العميد عن ابن بطرق واين الراهب: أربع سنين وعن المسبحي والصعيديين: ست سنين وسماه أبوفانيوس فودينوس والصعيديون قرطانوس قال: كان ملكه لإحدى وخمسين وخمسمائة من ملك الإسكندر وقال هروشيوش: غرديار بن بليسان قال: وملك سبع سنين وطالت حروبه مع الفرس وكان ظافرا عليهم وقتله أصحابه على نهر الفرات قال وولي بعده فلفش بن أولياق بن أنطنيش سبع سنين وهو ابن عم الإسكندر الملك قبله وأول من تنصر من ملوك الروم وقال ابن العميد عن الصعيديين: ملك ست سنين وقيل تسع سنين وكان ملكه لخمس وخمسين وخمسمائة من ملك الإسكندر وآمن بالمسيح وفي أول سنة من ملكه قدم دنوشيوش بطركا بالإسكندرية وهو رابع عشر البطاركة بها فلبث تسع عشرة سنة ولعهد فيلفش هذا قدم غرديانوس أسقفا على بيت المقدس بعد هروب مركيوس ثم عاد من هروبه فأقام شريكا معه سنة واحدة ومات غرديانوس فانفرد مركيوش أسقفا ببيت المقدس عشر سنين قال: وقتل فيلفش قيصر قائد من قواده يقال له دافيس وملك مكانه خمس سنين وقال عن المسبحي وابن الراهب سنة وعن ابن بطريق سنتين قال: وكان يعبد الأصنام ولقي النصارى منه شدة وكان من أولاد الملوك وقتل بطرك رومة وأجاز من مدينة قرطاجنة إلى مدينة أفسس وبنى بها هيكلا وحمل النصارى على السجود له قال: وفي أيامه كانت قصة فتية أهل الكهف وظهروا بعده في أيام تاودوسيوس وأما هروشيوش فسماه داجية بن مخشميان وقال: ملك سنة واحدة وكانت على النصارى في أيامه الشدة السابعة وقتل بطرك رومة منهم.
وولي من بعده غالش قيصر سنتين واستباح في قتل النصارى وباء عظيم أقفلت له المدن وقال هروشيوش: هو غالش بن يولياش وقال ابن بطريق: إن يولياش كان شريكا له في ملكه ومات قبله وقال ابن العميد: إحدى عشرة سنة لسبعين وخمسمائة من ملك الإسكندر وقال هروشيوش وابن بطريق: ملك خمس عشرة سنة واسمه غاليوش وقال المسبحي: خمس عشرة سنة وسماه داقيوس وغاليوش ابنه وقال آخرون: اسمه أورليوش وملك خمس سنين وقال أبوفانيوس: اسمه غليوس وملك أربع عشرة سنة وقال الصعيديون ملك كذلك واسمه أوراليونوس.
قال ابن العميد: وكان يعبد الأصنام ولقي النصارى منه شدة في أول سنة من ملكه قدم مكتميوش بطركا بالإسكندرية وهو الخامس عشر من بطاركتها فلبث اثنتي عشرة سنة ومات وفي خامسة ملكه قدم إسكندروس أسقفا ببيت المقدس ثم قتله بعد سبع سنين وبعث ابنه في عساكر الروم لغزو الفرس فانهزم وحمل أسيرا إلى كسرى بهرام فقتله وقال هرشيوش: ولي غالينوس خمسة عشر سنة فاشتد على النصارى الأمر وقتلهم معهم بطرك بيت المقدس وكانت له حروب مع الفرس أسره في بعضها ملكهم سابور ثم من عليه وأطلقه ووقع في أيامه برومة وباء عظيم فرفع طلبه عن النصارى بسببه وفي أيامه خرج القوط من بلادهم وتغلبوا على بلاد الغريقيين ومقدونية وبلاد النبط وكان هؤلاء القوط يعرفون بالسنسبين وكانت مواطنهم في ناحية بلاد السريانيين فخرجوا لعهد غلنوش هذا وغلبوا كما قلناه على بلاد الغريقيين ومقدونية وعلى مرية.
وهلك غلينوش قتيلا على يد قواد رومة ثم ملك أقاويدوش قيصر سنة واحدة وقال ابن العميد عن المسبحي سنة وتسعة أشهر لثمانين وخمسمائة للإسكندر وفي أول سنة من ملكه قدم يونس السميصاني بطركا بأنطاكية فلبث ثمان سنين وكان يقول بالوحدانية ويجحد الكلمة بالروح ولما مات اجتمع الأساقفة بأنطاكية وردوا مقالته وقال هروشيوش: ولي بعد غلينوش فلدويش بن يلاريان بن موكله فنسبه هكذا وقال فيه من عظماء القواد ولم يكن من بيت الملك ودفع القوط المتغلبين عن مقدونية من منذ خمس عشرة سنة عليها ومات لسنتين من ملكه وهذا كما قال المسبحي.
وقال هروشيوش: ولي بعده أخوه نطيل سبع عشرة يوما وقتله بعض القواد ولم يذكر ذلك ابن العميد ثم ملك بعده أوريليانس ست سنين وسماه ابن بطريق أواليوس والمسبحي أرينوس وأبوفانيوس أوليوس وهروشيوش أوليان بن بلنسيان وقال: ملك خمس سنين قال ابن العميد: وفي الرابعة من ملكه قدم تاونا بطركا بالإسكندرية سادس عشر البطاركة فلبث عشر سنين وكان النصارى يقيمون الدين خفية فلما صار بطركا قابل الروم ولاطفهم بالهدايا فأذنوا له في بناء كنيسة مريم وأعلنوا فيها بالصلاة قال: وفي سادسة ملكه ولد قسطنطين وقال هروشيوش: إن أوليان بن بلنسيان هذا حارب القوط فظفر بهم وجدد بناء رومة واشتد على النصارى تاسعة بعد نيرون ثم قتل فولي بعده طانيش بن إلياس وملك قريبا من السنة وقال ابن العميد: اسمه طافسوس وملك ستة أشهر وقال ابن بطريق: اسمه طافساس وملك تسعة أشهر.
ثم ملك فروفش قيصر خمس سنين وقال أبوفانيوس: اسمه فروش وقال ابن بطريق واين الراهب والصعيديون ست سنين وقال المسبحي سبع سنين وسماه ألاكيوس وأرفيون وسماه ابن بطريق بروش وسماه هروشيوش فاروش بن أنطويش قال: وتغلب على كثير من بلاد الفرس وقال ابن العميد: كان ملكه لسابعة من ملك سابور ذي الأكتاف ولخمسمائة واثنتين وتسعين من ملك الإسكندر وكان شديدا على النصارى وقتل منهم خلقا كثيرا وهلك هو وإبناه في الحرب.
وقال هروشيوش: ولما هلك فاروش ولي من بعده ابنه مناربان وقتل لحينه ولم يذكره ابن العميد ثم ملك بقلاديانوش إحدى وعشرين سنة وقال المسبحي: عشرين سنة وقال غيره: ثماني عشرة سنة وملك لخمسمائة وخمس وتسعين للإسكندر قال غيرهم: كان اسمه عربيطا وارتقى في أطوار الخدمة عند القياصرة إلى أن استخلصه فاريوش وجعله على خيله وكان حسن المزمار ويقال أن الخيل كانت ترقص طربا لمزاميره وعشقته بنت فاريوش الملك ولما مات أبوها وإخوتها ملكها الروم عليهم فتزوجته وسلمت له في الملك فاستولى على جميع ممالك الروم وما والاها وقسطنطش ابن عمه على بلاد أشيا وبيزنطية وأقام هو بأنطاكية وله الشام ومصر إلى أقصى المغرب وفي تاسعة عشر من ملكه انتقض أهل مصر والإسكندرية فقتل منهم خلقا ورجع إلى عبادة الأصنام وأمر بغلق الكنائس ولقي النصارى منه شدة وقتل القيسس مارجرس وكان من أكابر أبناء البطارقة وقتل ملقوس منهم أيضا وفي عاشرة ملكه قدم ماربطرس بطركا بالإسكندرية فلبث عشر سنين وقتله وجعل مكانه تلميذه إسكندروس وكان كبير تلامذته أريوش كثيرا لمخالفة له فسخطه وطرده ولما مات ماربطرس رجع أريوش عن المخالفة فأدخله إسكندروس إلى الكنيسة وصيره قسا.
قال ابن العميد: وفي أيام دقلاديانوس خرج قسطنطش ابن عمه ونائبه على بيرنطيا وأشيا ورأى هلانة وكانت تنصرت على يد أسقف الرها فأعجبته وتزوجها وولدت له قسطنطين وحضر المنجمون لولادته فأخبروا بمكه فأجمع ديقلاديانوس على قتله فهرب إلى الرها وثم جاء بعد موت ديقلاديانوس فوجد أباه قسطنطش قد ملك على الروم فتسلم الملك من يده على ما نذكر وهلك ديقلاديانوس لعشرين سنة من ملكه ولستمائة وستة عشرة سنة من ملك الإسكندر وملك من بعده ابنه مقسيمانوس قال ابن بطريق: سبع سنين وقال المسبحي واين الراهب: سنة واحدة قالوا وكان شريكه في الملك مقطوس وكان أشد كفرا من ديقلاديانوس ولقي النصارى منهما شدة وقتلا منهم خلقا كثيرا وفي أول سنة من ملكه قدم الإسكندروس تلميذ مار بطرس الشهير بطركا بالإسكندرية فلبث فيهم ثلاثا وعشرين سنة.
وعلى عهد مقسيمانوس تذكر تلك الخرافة بين المؤرخين من أن سابور ملك الفرس دخل أرض الروم متنكرا وحضر مكان مقسيمانوس وسجنه في جلد بقرة وسار إلى مملكة فارس وسابور في ذلك الجلد وهرب منه ولحق بفارس وهزم الروم في حكاية مستحيلة وكلها أحاديث خرافة والصحيح منه أن سابور سار إلى مملكة الروم فخرج إليه مقسيمانوس واستولى على ملكه كما نذكر بعد وأما هروشيوش فلما ذكر مناربان قيصر بن قاريوس وانه ملك بعد أبيه وقتل لحينه ثم قال وقام بملكهم ديوقاريان وثأر من قاتله خرج عليه أقرير بن قاريوس فقتله ديوقاريان بعد حروب طويلة ثم انتقض عليه أهل ممالكه وثار الثوار ببلاد الإفرنجة والأندلس وأفريقية ومصر وسار إليه سابور ذو الأكتاف فدفع ديوقاريان إلى هذه الحروب كلها مخشميان هركوريش وصيره قيصر فبدأ أولا ببلاد الإفرنجة فغلب الثوار بها وأصلحها وكان الثائر الذي بالأندلس قد ملك سبع سنين فقتله بعض أصحابه ورجعت برطانية إلى ملك ديوقاريان ثم استعمل مخشميان خليفة ديوقاريان صهره قسطنطش وأخاه مخشمس ابني وليتنوس فمضى مخشمس إلى أفريقية وقهر الثوار بها وردها إلى طاعة الرومانيين وزحف ديوقاريان قيصر الأعظم إلى مصر والإسكندرية فحصر الثائر بها إلى أن ظفر به وقتله ومضى قسطنطش إلى اللمانيين في ناحية بلاد الإفرنج فظفر بهم بعد حروب طويلة وزحف مخشميان خليفة ديوقاريان إلى سابور ملك الفرس فكانت حروبه معه سجالا حتى غلبه وأصاب منه واستأصل مدينة غورة والكوفة من بلاده سبيا وقتلا ورجع إلى رومة ثم سرحه ديوقاريان قيصر إلى حروب أهل غالش من الإفرنجة فأثخن فيهم قتلا وسبيا ثم اشتد ديوقاريان على النصارى الشدة العاشرة بعد نيرون وأثخن فيهم بالقتل ودام ذلك عليهم عشر سنين.
ثم اعتزل ديوقاريان وخليفته مخشميان الملك ورفضاه ودفعاه إلى قسطنطش بن وليتنوش وأخيه مخشمس ويسمى غلاريس فاقتسما ملك الرومانيين فكان لمخشمس غلاريس ناحية الشرق وكان لقسطنطش ناحية المغرب وكانت أفريقية وبلاد الأندلس وبلاد الإفرنج في ملكته وهلك ديوقاريان ومخشميان معتزلين عن الملك بناحية الشام وأقام قسطنطش في الملك ثم هلك ببرطانية وأقام بملك اللطينيين من بعده ابنه قسطنطين انتهى كلام هروشيوش.
ويظهر أن هذا الملك الذي سماه ابن العميد ديقلاديانوس هو الذي سماه هروشيوش ديوقاريان والخبر من بعد ذلك متشابه والأسماء مختلفة ولا يخفى عليك وضع كل اسم في مكانه من الآخر والله سبحانه وتعالى أعلم.